الطب النبوي علاج الحمى
صفحة 1 من اصل 1
الطب النبوي علاج الحمى
ذكر القسم الأول وهو العلاج بالأدوية الطبيعية
ثبت في " الصحيحين " : عن نافع ، عن ابن عمرَ ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إنَّمَا الحُمَّى أو شِدَّةُ الحُمَّى مِنْ فَيحِ جَهنمَ ، فَأبْرِدُوُهَا بِالْمَاءِ " .
وقد أشكل هذا الحديثُ على كثير من جهلة الأطباء ، ورأوه منافياً لدواء الحُمَّى وعلاجِها ، ونحن نُبيِّنُ بحَوْل الله وقوته وجهَه وفقهه فنقول: خطابُ النبي صلى الله عليه وسلم نوعان: عامٌ لأهل الأرض ، وخاصٌ ببعضهم ، فالأول: كعامة خطابه ، والثاني: كقوله: " لاَ تَسْتَقْبلُوا القِبلَةَ بغائطٍ ولاَ بَولٍ ، ولاَ تَسْتَدْبِروهَا ، ولكنْ شرِّقوا ، أوْ غَرِّبُوا " . فهذا ليس بخطاب لأهل المشرق والمغرب ولا العراق ، ولكن لأهل المدينة وما على سَمْتِها ، كالشام وغيرها . وكذلك قوله: " مَا بينَ المَشْرِقِ والمَغْرِبِ قبلَةٌ " .
وإذا عُرف هذا ، فخطابُه في هذا الحديث خاصٌ بأهل الحجاز ، وما والاهم ، إذ كان أكثرُ الحُمَّياتِ التي تَعرض لهم من نوع الحُمَّى اليومية العَرَضية الحادثةِ عن شدة حرارة الشمس ، وهذه ينفعُها الماء البارد شُرباً واغتسالاً ، فإن الحُمَّى حرارةٌ غريبة تشتعل في القلب ، وتنبثُّ منه بتوسط الروح والدم في الشرايين والعروق إلى جميع البدن ، فتشتعل فيه اشتعالاً يضر بالأفعال الطبيعية . وهي تنقسم إلى قسمين:
عَرَضية: وهي الحادثةُ إما عن الورم ، أو الحركة ، أو إصابةِ حرارة الشمس ، أو القَيْظ الشديد . . . ونحو ذلك .
ومرضية: وهي ثلاثةُ أنواع ، وهي لا كون إلا في مادة أُولى ، ثم منها يسخن جميع البدن . فإن كان مبدأ تعلقها بالروح سميت حُمَّى يوم ، لأنها في الغالب تزول في يوم ، ونهايتُها ثلاثة أيام ، وإن كان مبدأُ تعلقها بالأخلاط سميت عفنية ، وهي أربعة أصناف: صفراوية ، وسوداوية ، وبلغمية ، ودموية . وإن كان مبدأ تعلقها بالأعضاء الصلبة الأصلية ، سميت حُمَّى دِق ، وتحت هذه الأنواع أصنافٌ كثيرة .
وقد ينتفع البدن بالحُمَّى انتفاعاً عظيماً لا يبلغه الدواء ، وكثيراً ما يكون حُمَّى يوم وحُمَّى العفن سبباً لإنضاج موادَّ غليظة لم تكن تنضِجُ بدونها ، وسبباً لتفتح سُدَدٍ لم يكن تصل إليها الأدوية المفتحة .
وأما الرَّمدُ الحديثُ والمتقادمُ ، فإنها تُبرئ أكثَر أنواعه بُرءًا عجيباً سريعاً ، وتنفع من الفالج ، واللَّقْوَة ، والتشنج الامتلائي ، وكثيراً من الأمراض الحادثة عن الفضول الغليظة .
وقال لي بعض فضلاء الأطباء: إنَّ كثيراً من الأمراض نستبشر فيها بالحُمَّى ، كما يستبشر المريض بالعافية ، فتكون الحُمَّى فيه
ثبت في " الصحيحين " : عن نافع ، عن ابن عمرَ ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إنَّمَا الحُمَّى أو شِدَّةُ الحُمَّى مِنْ فَيحِ جَهنمَ ، فَأبْرِدُوُهَا بِالْمَاءِ " .
وقد أشكل هذا الحديثُ على كثير من جهلة الأطباء ، ورأوه منافياً لدواء الحُمَّى وعلاجِها ، ونحن نُبيِّنُ بحَوْل الله وقوته وجهَه وفقهه فنقول: خطابُ النبي صلى الله عليه وسلم نوعان: عامٌ لأهل الأرض ، وخاصٌ ببعضهم ، فالأول: كعامة خطابه ، والثاني: كقوله: " لاَ تَسْتَقْبلُوا القِبلَةَ بغائطٍ ولاَ بَولٍ ، ولاَ تَسْتَدْبِروهَا ، ولكنْ شرِّقوا ، أوْ غَرِّبُوا " . فهذا ليس بخطاب لأهل المشرق والمغرب ولا العراق ، ولكن لأهل المدينة وما على سَمْتِها ، كالشام وغيرها . وكذلك قوله: " مَا بينَ المَشْرِقِ والمَغْرِبِ قبلَةٌ " .
وإذا عُرف هذا ، فخطابُه في هذا الحديث خاصٌ بأهل الحجاز ، وما والاهم ، إذ كان أكثرُ الحُمَّياتِ التي تَعرض لهم من نوع الحُمَّى اليومية العَرَضية الحادثةِ عن شدة حرارة الشمس ، وهذه ينفعُها الماء البارد شُرباً واغتسالاً ، فإن الحُمَّى حرارةٌ غريبة تشتعل في القلب ، وتنبثُّ منه بتوسط الروح والدم في الشرايين والعروق إلى جميع البدن ، فتشتعل فيه اشتعالاً يضر بالأفعال الطبيعية . وهي تنقسم إلى قسمين:
عَرَضية: وهي الحادثةُ إما عن الورم ، أو الحركة ، أو إصابةِ حرارة الشمس ، أو القَيْظ الشديد . . . ونحو ذلك .
ومرضية: وهي ثلاثةُ أنواع ، وهي لا كون إلا في مادة أُولى ، ثم منها يسخن جميع البدن . فإن كان مبدأ تعلقها بالروح سميت حُمَّى يوم ، لأنها في الغالب تزول في يوم ، ونهايتُها ثلاثة أيام ، وإن كان مبدأُ تعلقها بالأخلاط سميت عفنية ، وهي أربعة أصناف: صفراوية ، وسوداوية ، وبلغمية ، ودموية . وإن كان مبدأ تعلقها بالأعضاء الصلبة الأصلية ، سميت حُمَّى دِق ، وتحت هذه الأنواع أصنافٌ كثيرة .
وقد ينتفع البدن بالحُمَّى انتفاعاً عظيماً لا يبلغه الدواء ، وكثيراً ما يكون حُمَّى يوم وحُمَّى العفن سبباً لإنضاج موادَّ غليظة لم تكن تنضِجُ بدونها ، وسبباً لتفتح سُدَدٍ لم يكن تصل إليها الأدوية المفتحة .
وأما الرَّمدُ الحديثُ والمتقادمُ ، فإنها تُبرئ أكثَر أنواعه بُرءًا عجيباً سريعاً ، وتنفع من الفالج ، واللَّقْوَة ، والتشنج الامتلائي ، وكثيراً من الأمراض الحادثة عن الفضول الغليظة .
وقال لي بعض فضلاء الأطباء: إنَّ كثيراً من الأمراض نستبشر فيها بالحُمَّى ، كما يستبشر المريض بالعافية ، فتكون الحُمَّى فيه
رد: الطب النبوي علاج الحمى
أنفَع من شرب الدواء بكثير ، فإنها تُنضج من الأخلاط والمواد الفاسدة ما يضُرُّ بالبدن ، فإذا أنضجتها صادفها الدواء متهيئةً للخروج بنضاجها ، فأخرجها ، فكانت سبباً للشفاء .
وإذا عُرِفَ هذا ، فيجوز أن يكون مرادُ الحديثِ من أقسام الحُمَّيات العرضية ، فإنها تسكن على المكان بالانغماس في الماء البارد ، وسقى الماء البارد المثلوج ، ولا يحتاج صاحبها مع ذلك إلى علاج آخر ، فإنها مجردُ كيفية حارة متعلقة بالرَّوح ، فيكفي في زوالها مجردُ وصول كيفية باردة تُسكنها ، وتُخمد لهبها من غير حاجة إلى استفراغ مادة ، أو انتظار نضج .
ويجوز أن يُراد به جميعُ أنواع الحُمَّيات ، وقد اعترف فاضل الأطباء " جالينوس " : بأنَّ الماء البارد ينفع فيها ، قال في المقالة العاشرة من كتاب " حيلة البرء " : " ولو أنَّ رجلاً شاباً حسنَ اللَّحم ، خِصَب البدن في وقت القَيْظ ، وفي وقت منتهى الحُمَّى ، وليس في أحشائه ورم ، استحمَّ بماءٍ بارد ، أو سبح فيه ، لانتفع بذلك " . وقال: " ونحن نأمر بذلك بلا توقف " .
وقال الرازيُّ في كتابه الكبير: " إذا كانت القوة قوية ، والحُمَّى حادة جداً ، والنضجُ بَيِّنٌ ولا وَرَمَ في الجوف ، ولا فَتْقَ ، ينفع الماء البارد شرباً ، وإن كان العليل خِصَب البدن والزمان حارٌ ، وكان معتاداً لاستعمال الماء البارد من خارج ، فليؤذَنْ فيه " .
وقوله: " الحُمَّى مِن فَيْحِ جهنَم " ، هو شدة لهبها ، وانتشارُها ، ونظيرُه قوله: " شِدَّةُ الحرِّ مِن فَيْحِ جَهنمَ " ، وفيه وجهان .
أحدهما: أنَّ ذلك أَنموذَجٌ ورقيقةٌ اشتُقَتْ من جهنم ليستدلَّ بها العبادُ عليها ، ويعتبروا بها ، ثم إنَّ الله سبحانه قدَّر ظهورها بأسبابٍ تقتضيها ، كما أنَّ الروحَ والفرح والسرور واللَّذة من نعيم الجنَّة أظهرها الله في هذه الدار عِبرةً ودلالةً ، وقدَّر ظهورَها بأسباب توجبها .
والثاني: أن يكون المراد التشبيه ، فشَبَّه شدة الحُمَّى ولهبها بفَيْح جهنم وشبَّه شدة الحر به أيضاً تنبيهاً للنفوس على شدة عذاب النار ، وأنَّ هذه الحرارة العظيمة مشبهةٌ بفَيْحها ، وهو ما يصيب مَن قَرُب منها من حَرِّها .
وقوله: " فَابْرِدُوُها " ، رُوي بوجهين: بقطع الهمزة وفتحها ، رُباعيّ: من " أبْرَدَ الشيءَ " : إذا صَيَّرَه بارداً ، مثل " أَسْخَنَه " : إذا صيَّره سخناً .
والثاني: بهمزة الوصل مضمومةً من " بَرَدَ الشيءَ يَبْرُدُه " ، وهو أفصحُ لغةً واستعمالاً ، والرباعي لغةٌ رديئة عندهم ، قال: إذا وَجدْتُ لَهِيبَ الْحُبِّ في كَبِدِي * أقْبَلْتُ نَحْوَ سِقَاءِ القَوْمِ أَبْتَرِدُ هَبْنِي بَرَدْتُ بِبَرْدِ الْمَاءِ ظَاهِرَهُ * فَمَنْ لِنَارٍ عَلَى الأحْشَاءِ
وإذا عُرِفَ هذا ، فيجوز أن يكون مرادُ الحديثِ من أقسام الحُمَّيات العرضية ، فإنها تسكن على المكان بالانغماس في الماء البارد ، وسقى الماء البارد المثلوج ، ولا يحتاج صاحبها مع ذلك إلى علاج آخر ، فإنها مجردُ كيفية حارة متعلقة بالرَّوح ، فيكفي في زوالها مجردُ وصول كيفية باردة تُسكنها ، وتُخمد لهبها من غير حاجة إلى استفراغ مادة ، أو انتظار نضج .
ويجوز أن يُراد به جميعُ أنواع الحُمَّيات ، وقد اعترف فاضل الأطباء " جالينوس " : بأنَّ الماء البارد ينفع فيها ، قال في المقالة العاشرة من كتاب " حيلة البرء " : " ولو أنَّ رجلاً شاباً حسنَ اللَّحم ، خِصَب البدن في وقت القَيْظ ، وفي وقت منتهى الحُمَّى ، وليس في أحشائه ورم ، استحمَّ بماءٍ بارد ، أو سبح فيه ، لانتفع بذلك " . وقال: " ونحن نأمر بذلك بلا توقف " .
وقال الرازيُّ في كتابه الكبير: " إذا كانت القوة قوية ، والحُمَّى حادة جداً ، والنضجُ بَيِّنٌ ولا وَرَمَ في الجوف ، ولا فَتْقَ ، ينفع الماء البارد شرباً ، وإن كان العليل خِصَب البدن والزمان حارٌ ، وكان معتاداً لاستعمال الماء البارد من خارج ، فليؤذَنْ فيه " .
وقوله: " الحُمَّى مِن فَيْحِ جهنَم " ، هو شدة لهبها ، وانتشارُها ، ونظيرُه قوله: " شِدَّةُ الحرِّ مِن فَيْحِ جَهنمَ " ، وفيه وجهان .
أحدهما: أنَّ ذلك أَنموذَجٌ ورقيقةٌ اشتُقَتْ من جهنم ليستدلَّ بها العبادُ عليها ، ويعتبروا بها ، ثم إنَّ الله سبحانه قدَّر ظهورها بأسبابٍ تقتضيها ، كما أنَّ الروحَ والفرح والسرور واللَّذة من نعيم الجنَّة أظهرها الله في هذه الدار عِبرةً ودلالةً ، وقدَّر ظهورَها بأسباب توجبها .
والثاني: أن يكون المراد التشبيه ، فشَبَّه شدة الحُمَّى ولهبها بفَيْح جهنم وشبَّه شدة الحر به أيضاً تنبيهاً للنفوس على شدة عذاب النار ، وأنَّ هذه الحرارة العظيمة مشبهةٌ بفَيْحها ، وهو ما يصيب مَن قَرُب منها من حَرِّها .
وقوله: " فَابْرِدُوُها " ، رُوي بوجهين: بقطع الهمزة وفتحها ، رُباعيّ: من " أبْرَدَ الشيءَ " : إذا صَيَّرَه بارداً ، مثل " أَسْخَنَه " : إذا صيَّره سخناً .
والثاني: بهمزة الوصل مضمومةً من " بَرَدَ الشيءَ يَبْرُدُه " ، وهو أفصحُ لغةً واستعمالاً ، والرباعي لغةٌ رديئة عندهم ، قال: إذا وَجدْتُ لَهِيبَ الْحُبِّ في كَبِدِي * أقْبَلْتُ نَحْوَ سِقَاءِ القَوْمِ أَبْتَرِدُ هَبْنِي بَرَدْتُ بِبَرْدِ الْمَاءِ ظَاهِرَهُ * فَمَنْ لِنَارٍ عَلَى الأحْشَاءِ
رد: الطب النبوي علاج الحمى
تَتَّقِدُ
وقوله: " بالماء " فيه قولان ، أحدهما: أنه كل ماء ، وهو الصحيح .
والثاني: أنه ماء زمزمَ ، واحتج أصحابُ هذا القول بما رواه البخاريُّ في " صحيحه " ، عن أبي جَمْرَةَ نَصْرِ بن عمرانَ الضُّبَعيِّ قال: كُنْتُ أُجَالِسُ ابن عباسٍ بمكةَ ، فأخَذَتْني الْحُمَّى فقال: أبردها عنك بماءِ زمزمَ ، فإنَّ رَسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن الحُمَّى من فَيْحِ جَهَنَّم ، فأبْردوها بالماء " أو قال: " بماءِ زَمْزَمَ " . وراوي هذا قد شك فيه ، ولو جَزَم به لكان أمراً لأهل مكةَ بماء زمزمَ ، إذ هو متيسر عندهم ، ولغيرهم بما عندهم من الماء .
ثم اختلفَ مَن قال: إنه على عمومه ، هل المراد به الصدقة بالماء ، أو استعماله ؟ على قولين . والصحيح أنه استعمال ، وأظن أنَّ الذي حمل مَن قال: المرادُ الصدقةُ به أنه أشكلَ عليه استعمالُ الماء البارد في الحُمَّى ولم يَفهمْ وجهه مع أنَّ لقوله وجهاً حسناً ، وهو أنَّ الجزاءَ مِن جنس العمل ، فكما أُخْمِد لهيب العطش عن الظمآن بالماء البارد ، أخمَدَ اللهُ لهيبَ الحُمَّى عنه جزاءً وِفاقاً ، ولكن هذا يُؤخد مِن فِقْه الحديث وإشارته ، وأما المراد به فاستعماله .
وقد ذكر أبو نعيم وغيره من حديث أنَسٍ يَرفعه: " إذَا حُمَّ أَحَدُكُم ، فَلْيُرَشَّ عليهِ الماءَ البارِدَ ثلاثَ ليالٍ مِنَ السَّحَرِ " .
وفي " سنن ابن ماجَه " عن أبي هُريرةَ يرفعه: " الْحُمَّى كِيرٌ مِن كِيرِ جَهَنَّمَ ، فَنَحُّوهَا عَنْكُمْ بالماءِ البَاردِ " .
وفي " المسند " وغيره ، من حديث الحسن ، عن سَمُرَةَ يرفعُه: " الْحُمَّى قطعةٌ من النَّارِ ، فَأبْرِدُوهَا عَنْكُم بالماءِ البارِد " ، وكان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا حُمَّ دَعَا بِقِرْبَة من ماءٍ ، فَأَفْرَغَهَا عَلَى رَأْسِه فَاغْتَسَلَ .
وفي " السنن " : من حديث أبي هريرةَ قال: ذُكِرَت الْحُمَّى عِنْدَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فَسَبَّهَا رجلٌ ، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: " لاَ تَسُبَّهَا فإنها تَنْفِي الذُّنُوبَ ، كما تَنْفِي النَّارُ خَبَثَ الْحَدِيدِ " .
لما كانت الحُمَّى يتبعها حِمية عن الأغذية الرديئة ، وتناول الأغذيةِ والأدويةِ النافعة ، وفي ذلك إعانةٌ على تنقية البدن ، ونَفْي أخباثِه وفضوله ، وتصفيته من مواده الردية ، وتفعل فيه كما تفعل النارُ في الحديد في نَفْيِ خَبثه ، وتصفيةِ جوهره ، كانت أشبهَ الأشياء بنار الكير التي تُصَفِّي جوهر الحديد ، وهذا القدرُ هو المعلوم عند أطباء الأبدان .
وأما تصفيتها القلبَ من وسخه ودَرَنه ، وإخراجها خبائثَه ، فأمرٌ يعلمه أطباءُ القلوب ، ويجدونه كما أخبرهم به نبيُّهم رسول الله
وقوله: " بالماء " فيه قولان ، أحدهما: أنه كل ماء ، وهو الصحيح .
والثاني: أنه ماء زمزمَ ، واحتج أصحابُ هذا القول بما رواه البخاريُّ في " صحيحه " ، عن أبي جَمْرَةَ نَصْرِ بن عمرانَ الضُّبَعيِّ قال: كُنْتُ أُجَالِسُ ابن عباسٍ بمكةَ ، فأخَذَتْني الْحُمَّى فقال: أبردها عنك بماءِ زمزمَ ، فإنَّ رَسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن الحُمَّى من فَيْحِ جَهَنَّم ، فأبْردوها بالماء " أو قال: " بماءِ زَمْزَمَ " . وراوي هذا قد شك فيه ، ولو جَزَم به لكان أمراً لأهل مكةَ بماء زمزمَ ، إذ هو متيسر عندهم ، ولغيرهم بما عندهم من الماء .
ثم اختلفَ مَن قال: إنه على عمومه ، هل المراد به الصدقة بالماء ، أو استعماله ؟ على قولين . والصحيح أنه استعمال ، وأظن أنَّ الذي حمل مَن قال: المرادُ الصدقةُ به أنه أشكلَ عليه استعمالُ الماء البارد في الحُمَّى ولم يَفهمْ وجهه مع أنَّ لقوله وجهاً حسناً ، وهو أنَّ الجزاءَ مِن جنس العمل ، فكما أُخْمِد لهيب العطش عن الظمآن بالماء البارد ، أخمَدَ اللهُ لهيبَ الحُمَّى عنه جزاءً وِفاقاً ، ولكن هذا يُؤخد مِن فِقْه الحديث وإشارته ، وأما المراد به فاستعماله .
وقد ذكر أبو نعيم وغيره من حديث أنَسٍ يَرفعه: " إذَا حُمَّ أَحَدُكُم ، فَلْيُرَشَّ عليهِ الماءَ البارِدَ ثلاثَ ليالٍ مِنَ السَّحَرِ " .
وفي " سنن ابن ماجَه " عن أبي هُريرةَ يرفعه: " الْحُمَّى كِيرٌ مِن كِيرِ جَهَنَّمَ ، فَنَحُّوهَا عَنْكُمْ بالماءِ البَاردِ " .
وفي " المسند " وغيره ، من حديث الحسن ، عن سَمُرَةَ يرفعُه: " الْحُمَّى قطعةٌ من النَّارِ ، فَأبْرِدُوهَا عَنْكُم بالماءِ البارِد " ، وكان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا حُمَّ دَعَا بِقِرْبَة من ماءٍ ، فَأَفْرَغَهَا عَلَى رَأْسِه فَاغْتَسَلَ .
وفي " السنن " : من حديث أبي هريرةَ قال: ذُكِرَت الْحُمَّى عِنْدَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فَسَبَّهَا رجلٌ ، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: " لاَ تَسُبَّهَا فإنها تَنْفِي الذُّنُوبَ ، كما تَنْفِي النَّارُ خَبَثَ الْحَدِيدِ " .
لما كانت الحُمَّى يتبعها حِمية عن الأغذية الرديئة ، وتناول الأغذيةِ والأدويةِ النافعة ، وفي ذلك إعانةٌ على تنقية البدن ، ونَفْي أخباثِه وفضوله ، وتصفيته من مواده الردية ، وتفعل فيه كما تفعل النارُ في الحديد في نَفْيِ خَبثه ، وتصفيةِ جوهره ، كانت أشبهَ الأشياء بنار الكير التي تُصَفِّي جوهر الحديد ، وهذا القدرُ هو المعلوم عند أطباء الأبدان .
وأما تصفيتها القلبَ من وسخه ودَرَنه ، وإخراجها خبائثَه ، فأمرٌ يعلمه أطباءُ القلوب ، ويجدونه كما أخبرهم به نبيُّهم رسول الله
رد: الطب النبوي علاج الحمى
صلى الله عليه وسلم ، ولكن مرض القلب إذا صار مأيُوساً من برئه ، لم ينفع فيه هذا العلاج .
فالحُمَّى تنفع البدنَ والقلبَ ، وما كان بهذه المَثابة فسَبُّه ظلم وعدوان . وذكرتُ مرة وأنا محمومٌ قولَ بعض الشعراء يسبُّها:
زَارَتْ مُكَفِّرَةُ الذُّنُوبِ وَوَدَّعَتْ * تبّاً لها مِنْ زَائِرٍ وَمُوَدِّعِ
قَالَتْ وقَدْ عَزَمَتْ عَلَى تَرْحَالِها مَاذَا تريدُ ؟ فقُلتُ: أن لا تَرْجِعِي
فقلتُ: تبّاً له إذ سَبَّ ما نهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن سَبِّه . ولو قال: زَارَتْ مُكَفِّرَةُ الذُّنُوبِ لِصَبِّها * أَهْلاً بها مِنْ زَائِرٍ وَمُوَدِّعِ
قَالَتْ وقَدْ عَزَمَتْ عَلَى تَرْحَالِها ماذا تريدُ ؟ فقلتُ: أن لا تُقْلِعي لكان أولى به ، ولأقلعت عنه . فأقلعت عَنِّي سريعاً .
وقد روي في أثر لا أعرف حاله: " حُمَّى يَوْمٍ كَفَّارَةُ سَنَةٍ " ، وفيه قولان ، أحدهما: أنَّ الحُمَّى تدخل في كل الأعضاء والمفاصِل ، وعدتُها ثلاثمائة وستون مَفْصِلاً ، فتكفِّرُ عنه بعدد كل مفصل ذنوبَ يوم .
والثاني: أنها تؤثر في البدن تأثيراً لا يزول بالكلية إلى سنة ، كما قيل في قوله صلى الله عليه وسلم: " مَنْ شَرِبَ الخَمْرَ لمْ تُقْبَلْ لهُ صَلاةٌ أَربعينَ يوْماً " : إنَّ أثر الخمر يَبقى في جوف العبد ، وعروقه ، وأعضائه أربعين يوماً . . والله أعلم .
قال أبو هريرةَ مَا منْ مَرَضٍ يُصيبني أَحَبُّ إليَّ من الحُمَّى ، لأنها تدخل في كلِّ عضوٍ منِّي ، وإنَّ الله سبحَانهُ يُعْطي كلَّ عضوٍ حظَّه مِن الأجرِ .
وقد روي الترمذيُّ في " جامعه " من حديث رافِع بن خَدِيجٍ يرفعُه: " إذا أَصَابَتْ أَحَدَكُمْ الحُمَّى وَإنَّ الحُمَّى قِطْعةٌ مِنَ النَّارِ فَلْيُطفئهَا بالمَاءِ البَارِدِ ، ويَسْتَقبِلْ نَهْراً جارياً ، فَلْيستقبلْ جَرْيَةَ المَاءِ بعدَ الفَجْرِ وقَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ ، وليقلْ: بِسْمِ اللهِ ، اللَّهُمَّ اشْفِ عَبْدَكَ ، وصَدِّقْ رَسُولَك . وينغمِسُ فيهِ ثلاثَ غَمَسَاتٍ ثلاثةَ أيامٍ ، فإنْ بَرِىءَ ، وإلا ففِي خمسٍ ، فإن لمْ يبرَأْ في خمس ، فسبع ، فإن لم يبرأ في سبع فتسع ، فإنها لا تكادُ تُجاوز تسعاً بإذنِ اللهِ " .
قلت: وهو ينفع فعله في فصل الصيف في البلاد الحارة على الشرائط التي تقدَّمت ، فإنَّ الماء في ذلك الوقت أبردُ ما يكون لبُعْدِه عن ملاقاة الشمس ، ووفور القُوَى في ذلك الوقت لما أفادها النوم ، والسكون ، وبرد الهواء ، فتجتمع فيه قوةُ القُوَى ، وقوةُ الدواء ، وهو الماء البارد على حرارة الحُمَّى العَرَضية ، أو الغِبِّ الخالصة ، أعني التي لا ورم معها ، ولا شيء من الأعراض الرديئة والمواد
فالحُمَّى تنفع البدنَ والقلبَ ، وما كان بهذه المَثابة فسَبُّه ظلم وعدوان . وذكرتُ مرة وأنا محمومٌ قولَ بعض الشعراء يسبُّها:
زَارَتْ مُكَفِّرَةُ الذُّنُوبِ وَوَدَّعَتْ * تبّاً لها مِنْ زَائِرٍ وَمُوَدِّعِ
قَالَتْ وقَدْ عَزَمَتْ عَلَى تَرْحَالِها مَاذَا تريدُ ؟ فقُلتُ: أن لا تَرْجِعِي
فقلتُ: تبّاً له إذ سَبَّ ما نهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن سَبِّه . ولو قال: زَارَتْ مُكَفِّرَةُ الذُّنُوبِ لِصَبِّها * أَهْلاً بها مِنْ زَائِرٍ وَمُوَدِّعِ
قَالَتْ وقَدْ عَزَمَتْ عَلَى تَرْحَالِها ماذا تريدُ ؟ فقلتُ: أن لا تُقْلِعي لكان أولى به ، ولأقلعت عنه . فأقلعت عَنِّي سريعاً .
وقد روي في أثر لا أعرف حاله: " حُمَّى يَوْمٍ كَفَّارَةُ سَنَةٍ " ، وفيه قولان ، أحدهما: أنَّ الحُمَّى تدخل في كل الأعضاء والمفاصِل ، وعدتُها ثلاثمائة وستون مَفْصِلاً ، فتكفِّرُ عنه بعدد كل مفصل ذنوبَ يوم .
والثاني: أنها تؤثر في البدن تأثيراً لا يزول بالكلية إلى سنة ، كما قيل في قوله صلى الله عليه وسلم: " مَنْ شَرِبَ الخَمْرَ لمْ تُقْبَلْ لهُ صَلاةٌ أَربعينَ يوْماً " : إنَّ أثر الخمر يَبقى في جوف العبد ، وعروقه ، وأعضائه أربعين يوماً . . والله أعلم .
قال أبو هريرةَ مَا منْ مَرَضٍ يُصيبني أَحَبُّ إليَّ من الحُمَّى ، لأنها تدخل في كلِّ عضوٍ منِّي ، وإنَّ الله سبحَانهُ يُعْطي كلَّ عضوٍ حظَّه مِن الأجرِ .
وقد روي الترمذيُّ في " جامعه " من حديث رافِع بن خَدِيجٍ يرفعُه: " إذا أَصَابَتْ أَحَدَكُمْ الحُمَّى وَإنَّ الحُمَّى قِطْعةٌ مِنَ النَّارِ فَلْيُطفئهَا بالمَاءِ البَارِدِ ، ويَسْتَقبِلْ نَهْراً جارياً ، فَلْيستقبلْ جَرْيَةَ المَاءِ بعدَ الفَجْرِ وقَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ ، وليقلْ: بِسْمِ اللهِ ، اللَّهُمَّ اشْفِ عَبْدَكَ ، وصَدِّقْ رَسُولَك . وينغمِسُ فيهِ ثلاثَ غَمَسَاتٍ ثلاثةَ أيامٍ ، فإنْ بَرِىءَ ، وإلا ففِي خمسٍ ، فإن لمْ يبرَأْ في خمس ، فسبع ، فإن لم يبرأ في سبع فتسع ، فإنها لا تكادُ تُجاوز تسعاً بإذنِ اللهِ " .
قلت: وهو ينفع فعله في فصل الصيف في البلاد الحارة على الشرائط التي تقدَّمت ، فإنَّ الماء في ذلك الوقت أبردُ ما يكون لبُعْدِه عن ملاقاة الشمس ، ووفور القُوَى في ذلك الوقت لما أفادها النوم ، والسكون ، وبرد الهواء ، فتجتمع فيه قوةُ القُوَى ، وقوةُ الدواء ، وهو الماء البارد على حرارة الحُمَّى العَرَضية ، أو الغِبِّ الخالصة ، أعني التي لا ورم معها ، ولا شيء من الأعراض الرديئة والمواد
رد: الطب النبوي علاج الحمى
الفاسدة ، فيُطفئها بإذن الله ، لا سيما في أحد الأيام المذكورة في الحديث ، وهي الأيام التي يقع فيها بُحرَان الأمراضُ الحادةُ كثيراً ، سيما في البلاد المذكورة ، لرِّقةِ أخلاط سكانها ، وسُرعة انفعالهم عن الدواء النافع .
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى